أيها القراء الأعزاء إليكم قصه استشهاد والدي
في البدء أحب أن انوه أن هذا الموضوع شخصي , ولذا فمن لا يريد الاستمرار في القراءة فله الحق بذلك , واعرف أن القراء الكرام ومن باب الفضول يريدون أن يعرفوا عن الذين يقرؤون لهم , وقصه هذا المقال بدأت عندما اتصل بي الأخ العزيز المشرف على موقع (مدينه ماحص )في الفيس بوك ... و احترم رغبته في انه لا يريد أن يعرف احد عنه رغم معرفتي الشخصية به .... وكان يريد مني أن أرسل له صوره لوالدي الشهيد لينشرها في الموقع , على اعتبار انه احد شهداء البلدة , فقمت بإرسال الصورة له , وقمت بنشرها على صفحتي في الفيس بوك , وبعد النشر علق صديقي وزميلي العقيد المتقاعد والكاتب حاليا حسين المحارمه , وطلب مني أن أرسل له قصه استشهاد والدي مع الصورة , كي ينشرها في موقع ( كرامه نيوز ) الأردني , لأنه توجد في الموقع صفحه تختص بالشهداء الأردنيين , فقمت بكتابه القصة وأرسلتها له , ونشرتها على صفحتي بالفيس بوك , وها أنا أريد أن أطلعكم عليها أيها القراء الأعزاء أيضا .
ولد والدي الشهيد عام 1934 في قرية ماحص في البلقاء .....والتحق بالقوات المسلحة الأردنية الباسلة عام 1952 وكانت مهنته سائق اختصاص جراره جنزير لمدفع (عيار 155ملم هاوزر مجرور) في المدفعية السادسة الثقيلة واسمها الآن ( كتيبه الأمير حمزة بن الحسين )... وفي حرب 67 كانت الكتيبة ملحقه باللواء المدرع أربعين
وقصه استشهاده كما رواها زملاءه هي كما يلي...روى لي احد زملاءه من ماحص ومازال على قيد الحياة وهو السيد قطيش على القويدر العبادي....انه عندما كانوا في جنين ...كان أبي المرحوم يقوم بالرماية على الطائرات المغيرة عليهم من الرشاش المثبت فوق الناقلة...وقال السيد قطيش ...أن الضابط قال لي وأرسلني إليه بقوله قول لقرابتك المجنون أن يوقف الرماية كي لا يكشفنا....وقال لي أيضا أن يده أصيبت بحرق سطحي من مياه روديتر الناقلة الساخنة ...وكانت الناقلة خربانه وتحذف على جنب وغلبته كثير ....وقال أيضا انه خلال الانسحاب المنظم الذي قمنا به (ولم نخسر أي مدفع في تلك الحرب وتم الاستفادة من هذه المدافع في حرب الكرامة وحرب الاستنزاف ).... شعرت بأنه قد أحس بدنوا اجله...عندما حاول إعطائي راتبه لكي أوصله إلى أهله.... فرفضت ... وقلت له يا أبا طلب......وهل يدري أي منا انه سوف ينجو و يعيش بعد هذه الحرب .... وبعدها انقسمنا إلى قسمين قسم ذهب طريق ناعور عمان وكنت انأ به وقسم ذهب إلى طريق العارضة كان الشهيد به ....وتفرقنا كل باتجاهه ....وروى زملاءه الحاضرين معه تلك الموقعة...انه خلال الانسحاب وفي منطقه الوادي الأبيض بين مدينتي الشونة والكرامة ....أغارت علينا طائرات العدو ....فوثب الشهيد الى ظهر الناقلة ... وبدأ يعالج برشاشه طائرات العدو المغيرة ...وكان يحدو بحداءات وطنيه ....فقلنا له يا أبو طلب انزل....فقال لنا ما نصه .....( عيب علينا نرجع على نسوانا مهزومين ) ... اسقط طائره شاهدناها تهوي محترقة باتجاه الغرب.... وبعدها رمته طائره أخري بصلية من رشاشها .... فأصابته طلقه في صدره.....فنزل من فوق الناقلة ودخل في خندق بجانب الطريق كان قد حفره الجيش العراقي .... وما هي سوى لحظات حتى انتقلت روحه الى رحمه الله , فدفناه في ذلك الخندق .
....كان عمي المرحوم الحاج عيد ملازما في الحرس الملكي....وبعد انتهاء الحرب بدأ رحله بحث شاقه عن أخيه ( أبي الشهيد )... حتى توصل إلى مكان تجمع كتيبته الجديد....فدلوه على مكان الخندق المدفون به بالغور ... وأرسلت الكتيبة معه بعض زملاءه وأخرجوه من ذلك الخندق....واتوا به إلى قريتنا ماحص ودفنوه في مقبرتها ......حضر الجنازة خلق كثير من أهالي البلدة ومن النازحين الفلسطينيين الذين سكنوا في البلدة وعلى أطرافها وفي المغاور والكهوف وتحت الشجر في الأحراش ...والكثير من الحاضرين كان يبكي ...( يبكون طبعا مرارة الهزيمة وضياع القدس وفلسطين )....وعندما اندفعت وأنا ابكي نحو الجثمان الطاهر أريد رؤيته...أخذوني وأجلسوني في السيارة النص طون التي حملت جثمانه الطاهر ....وكان السائق ينظر إلي ويبكي بحرقه ودموعه تسيل على خديه ... أصابتني الغيرة فقلت في نفسي ...انأ ابكي لأنه والدي ولماذا هذا يبكي!!!!! ...ولم أكن اعرف حينها ولصغر سني ... انه احد رفاقه وزملاءه وربما يكون صديقه.. وإنه كان يبكي علي أنا أيضا.....وأتمنى من الله سبحانه وتعالى أن يتقبله شهيدا في سبيله وفي سبيل إعلاء رايته ....وان يدخله الجنة مع الأنبياء والشهداء والصالحين... وأن يشفعه فينا يوم الدين....آمين آمين يارب العالمين.
بقي علي أن اروي لكم بقيه القصة, فبعد استشهاد الوالد تولت الوالدة شافاها الله., ورغم صغر سنها حين ذاك حيث لم تبلغ الثلاثين عاما بعد , تولت رعايتنا وتربيتنا انأ وأخوتي الأربعة..وعملت على تدريسنا وتعليمنا فكلنا أصبحنا جامعيين بحمد الله ....فانا خدمت بالقوات المسلحة وأحلت على التقاعد برتبه مقدم وأخي موظف كبير في الجمارك برتبه عقيد ...واختى الكبرى متقاعدة من البنك المركزي وأما أختي الصغرى فهي معلمه متقاعدة ,تقاعدت لرعاية أمي بعد أن أقعدها المرض ....
أيها الأخوة المحترمين, المسلم المؤمن حين يخوض معركة فهو يريد أن يحصل على إحدى الحسنيين.... النصر أو الشهادة...فنال أبي الشهادة, وهو يقاتل مقبل غير مدبر.. يصارع طائرات العدو الصهيوني الغادر, ويتحداها وجها لوجه بكل شجاعة وعزم وإصرار, منقطعة النظير.. ونالها معه كل زملاءه الشهداء الأبرار رحمهم الله سبحانه وتعالى جميعا وأدخلهم فسيح جناته......فجيشنا العربي الأردني كان قد قاتل ببسالة في حرب حزيران , 67 وقدم التضحيات الجسام في معارك عده في القدس وجنين ونابلس , ولكن النصر لم يكن حليفه لضعف الإمكانيات المادية والعسكرية مقارنه مع العدو ,وبسبب الهزيمة التى لحقت بالجبهات العربية الأخرى ,فهؤلاء الرجال الأبطال الشجعان قد قاموا بواجبهم المقدس دفاعا عن ارض الوطن والمقدسات ....وهم غير مسئولين عن نتيجة المعركة , فالمجد والخلود لهم والخزي والعار لكل المتخاذلين والجبناء والفاسدين , عاش الوطن .
طلب عبد الجليل الجالودي
Atalab42@yahoo.com